کد مطلب:195852 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:294

الطب عند العرب
أما العرب الذین كانوا معاصرین لتلك الدول فقد إقتبسوا منهم بحكم المجاورة والمخالطة شیئاً من الطب أضافوه إلی ما حصلوه من الكلدان وإلی ما إستنبطوه هم أنفسهم بالفطرة والذكاء والتجارب.

وقد ذكر التاریخ: إن أول من تعاطی الطب من العرب بعد الكهنة، هم جماعة ممن خالط الروم والفرس فی القرن السادس المیلادی وقبل ظهور الاسلام بقلیل وأخذوا العلم عنهم، وكان أشهرهم یومذاك رجل من تیم الرباب یقال له (ابن حذیم) [1] وهو الذی ضرب به المثل فی الحذاقة والطب، فقیل فیه: ـ أطب من ابن حذیم ـ وقد قال فیه الشاعر أوس بن حجر:



فهل لكم فیــها إلیّ فاننی

بصیر بما أعیی النطاسی حذیما [2] .



ثم جاء بعده الحارث بن كلدة [3] طبیب العرب الشهیر المتوفی فی عام 50 هـ وهو خریج مدرسة جندیسابور [4] المعروفة فی خوزستان الفرس والشهیرة عند



[ صفحه 11]



العرب (بمعهد الطب الاسلامی). فقد كانت العرب تعرف هذه المدرسة وتقدرها لاسیما بعد فتح الاسلام لبلاد الفرس علی عهد الخلیفة الثانی سنة 19هـ. وقد كان الحارث هذا یتعاطی الطب فی الطائف بشهرة واسعة وقد أدرك الاسلام ولم یسلم وكان النبی (ص) یأمر من كانت به علة أن یأتیه ویستوصفه.

ثم كان بعده ابن رومیة الجراح التمیمی، ثم النضر بن الحارث بن كلدة الذی یعد من أقدم من أشتغل من العرب فی العلوم الدخیلة من طب وغیره، وكان النضر هذا فی عصر النبی (ص) أیضاً ولكنه لما كان یجاری أبا سفیان بعداوة النبی (ص) لأنه ثقفی وبنو ثقیف حلفاء بنی أمیة، أمر النبی (ص) عندما أسره المسلمون فی بدر بقتله فقتل وذهب بموته علمه وطبه، ولم یكن له مؤلف أو نقل یعلمنا بمبلغ علمه وطبه، ثم ذهب الطب من العرب، وخفی عندهم ردحاً من الزمن، وذلك منذ ظهور الدعوة الاسلامیة حتی شطر من الدولة الامویة، إذ المسلمون كانوا حینذاك یعتقدون أن الاسلام یهدم ما قبله ولا ینبغی أن یتلی غیر القرآن، أو أن یدرس غیر العلوم القرآنیة، فذهلوا عن سایر العلوم بما فیها الطب، لانشغالهم بانشاء الدولة الاسلامیة ونشر الدعوة المحمدیة وقمع الشرك وإعلاء كلمة التوحید وتوحید الكلمة علیها.

ولكن لما اتسع نطاق الاسلام وعلا سلطانه وبلغ الدین الحنیف ذروته التی خضعت لها الامم وذلت لها الملوك لم یقنع المسلمون ببسط سلطانهم علی شرق البسیطة وغربها دون أن یلجاؤا أبواب العلوم، فیأخذوا من كل قطر محاسنه ویستلبوا كنوزه العلمیة، وقد كان للطب عندهم أوفر نصیب من تلك العنایة وذلك الاهتمام حیث إقتبسوه أولاً ورغبوا إلیه قبل سایر العلوم الدخیلة التی دخلت الجزیرة یومذاك.

ـ المدرسة ونبغ فیها أطباء معروفون خدموا الصناعة والعلم هم الذین أدخلوا الطب إلی العراق زمن الخلیفة العباسی المنصور كما ستعرفه مفصلاً فی بعض فصول هذه الرسالة.



[ صفحه 12]



وقد ذكر لنا التاریخ وأخبرتنا التراجم أن أول من فطن إلی ذلك، وأول من اشتغل فی نقل الطب وسایر العلوم الدخیلة الأخری مثل الكیمیا والنجوم إلی اللغة العربیة بعد تلك الفترة الطویلة، هو خالد بن یزید بن معاویة الاموی المدعو عند العرب (بحكیم آل مروان) والمتوفی سنة 85 هـ فانه بعد أن غلبه بنو مروان علی الخلافة بعد أخیه معاویة وقد كان رجلاً طموحاً ذكیاً، إنصرف إلی إكتساب العالی عن طریق العلم ولأجل ذلك فقد إستقدم جماعة من علماء الروم منهم الراهب الرومی (موریانوس) وطلب إلیه أن یعلمه الكیمیا، ولما تعلمها أمر بنقلها إلی العربیة فنقلها له رجل یدعی (إصطفن) فكان هذا أول نقل فی الاسلام من لغة إلی لغة.

ثم جاء من بعد إصطفن (ماسرجویه) فنقل كتباً كثیرة من الطب والفلسفة فكان لبنی أمیة بعض الآثار العلمیة فی الاسلام.

ثم أصاب الطب بعد خالد فترة دامت إلی أواخر الأمویین وإلی عصر السفاح من بنی العباس حتی إذا ما أفضت الخلافة إلی أخیه أبی جعفر المنصور سنة 136هـ بانت طلائع وظهرت لقدومه بشائر.

فلقد كان المنصور كلفاً بأعمال التنجیم شغوفاً بالعمل بأقوال المنجمین فی خلافته وقبلها حتی لم یكن یعمل عملاُ إلا بعد إستشارة منجمه الخاص (نوبخت) الفارسی وأبنه (أبی سهل) ولقد ترجموا له كثیراُ من كتب التنجیم والفلك. ثم إزدادت رغبة المنصور لطلب العلوم الدخیلة وبحكم المثل المشهور القائل (الناس علی دین ملوكها) رغب كثیر من الناس إلی طلب تلك العلوم وتوسعوا فی درسها والبحث عنها وفیها حتی طلب المنصور من ملك الروم أن یبعث إلیه ببعض كتب التعالیم فبعث إلیه بجملة كتب شتی ومن جملتها كتاب إقلیدس فی الهندسة وبعض كتب الطبیعیات والمجسمة وكثیر من كتب الطب، فاهتم العرب بنقلها إلی العربیة وأخذوا یتهافتون علیها تهافت الفراش، ویردون مناهلها ورود الضمآن إلی الماء الزلال.



[ صفحه 13]



وقد كان علم الطب من بین تلك العلوم أكثرها إهتماماً وعنایة لدیهم كما ساعدهم علی هذا الأمر یومذاك أن المنصور أصیب بمرض فی معدته إنقطعت من أجله شهوته للطعام ولم ینفعه العلاج بالرغم من عنایة أطباء مصره وأهتمامهم فی أمره فطلب إلی وزیره الربیع أن یفحص له عن طبیب حاذق یرجع إلیه فی علاج ما كان یجده من ألم ولما أخذ الربیع یفتش عما طلب ألیه الخلیفة أرشد ألی الطبیب (جورجیس) النصرانی رئیس مارسیان أو مدرسة (جندیسابور) وكان ماهرا حاذقا فی الطب كثیر التألیف والتصنیف فیه باللغة السریانیة، فبعث إلیه المنصور من أحضره له بعد أن خلف ولده (بختیشوع) مكانه، ولما ورد علی الخلیفة أكرمه ووقع عنده موقعاً حسناً لما رأی فیه من الوقار ورزانة العقل، لا سیما وقد أبل من علته ومرضه أبلالاً سریعاُ، وشفی شفاءا عاجلا كاملا بعلاجه.

ولما أراد الرجوع إلی بلده ووطنه منعه الخلیفة واغدق علیه الاموال والعطایا الوافرة طمعاً فی ابقائه، فبقی فی بغداد یطب المرضی مدة طویلة، ثم ترجم إلی العربیة كثیراُ من كتبه الطبیة ومن كتب غیره فی الطب أیضاً.

وبهذه الحركة من (جورجیس) أخذ الكثیر من الأطباء فی بغداد ینقل أیضاً ویترجم من السریانیة إلی العربیة وذلك بعنایة المنصور وبذله الأموال للمترجمین والناقلین لاسیما فی الطب، فاتسع نطاق الطب فی بغداد وتكاثرت رواده وراجت التألیف ونبغ كثیر من نطس الاطباء وشاعت عنهم المعاجز الطبیة الكثیرة.

ولما اشتهرت مساعدة المنصور وسایر الامراء والمثرین من أهل بغداد بلد العلم والمال لأصحاب العلوم رغب الكثیر من أطباء (جندیسابور) فی الانتقال إلی بغداد، وأرسل الطبیب (جرجیس) علی ولده (بختیشوع) بأمر الخلیفة ثم جاء (ماسویه) أبو یوحنا ثم أعقبة یوحنا، وهكذا أخذت الاطباء تتقاطر وتتوارد من سائر الأقطار إلی دار السلام، حتی أصبحت دار الخلافة (بغداد) فی عصر المنصورـ وهو العصر الذی عاش فیه الامام الصادق «ع» ـ كعبة العلم ومقصد رواد الفضل والأدب ومقر نقلة العلوم والفنون، وعلی الأخص الطب الذی شاع تدریسه



[ صفحه 14]



وكثر المعالجون به حتی قصدهم المرضی من كل حدب وصوب للاستشفاء.

أما أبو عبدالله الصادق علیه السلام، فقد كان نادیه فی ذلك العصر مهوی قلوب رواد الفضل والفضیلة، والمدرسة الكبری لكل علم وفن وفلسفة وأدب إذ كان «ع» یلقی فیه علی أصحابه وتلامذته والمنتهلین من بحر علومه من كل ما یشفی غلیل القلوب الصادیة ویروی النفوس المتعطشة المتشوقة إلی طلب المعارف السامیة دروساً بلیغة لم تكن تدركها عقول علماء ذلك الجیل لولاه، ولم تقف علی أسرارها فحول الحكماء فی ذلك العصر لو لم یوضحها لهم.

ونظرة واحدة فی كتاب توحید المفضل [5] وتأمل بسیط فی بعض مناظراته الطبیة مع أطباء عصره یكفیانك دلیلاً علی وفور علمه الغزیر وكامل معرفة بهذا العلم الجلیل ثم ینبئانك أن أقواله القیمة وكلماته الحكیمة فی الطب لم تكشف حقیقتها ولم یدرك مغزاها أطباء عصره كما إكتشفت بعد عدة قرون، حیث تدرج الفكر البشری مرتقیاً ـ حسب نظریة النشوء والارتقاء ـ وأخذت أفكار نطس الاطباء وعقول جهابذة العلماء والحكماء تنمو بالتجارب وتتقدم بالاكتشافات حتی بلغت عصرنا الحاضر عصر النور والعلم والاختراع فادركت أسرار كلامه ووقفت علی مكنون أقواله فی الطب.

وقلیلاً من كثیر مما ذكرته الكتب وأخبرتنا به الاحادیث الصحیحة المسندة من وصفاته الطبیة ومناظراته الدالة علی معرفته الكاملة فی أصول الطب وفروعه.

وإلیك فیما یلی من الفصول الآتیة بعض ماوصلنا إلیه من كلامه «ع»:



[ صفحه 15]




[1] راجع ترجمته في كتابنا معجم أدباء الاطباء ج 1.

[2] حذف لفظ ابن إعتماداً علي الشهرة ولاستقامة الوزن.

[3] راجع ترجمته في معجمنا ج1.

[4] جنديسابور مدينة في خوزستان في الجنوب الغربي من إيران بناها كسري الأول سابور بن أردشير الساماني سنة 250م فنسبت إليه، وكان قد أسكنها سبي الروم وطائفة من جنده، وقد إفتتحها المسلمون سنة 19هـ. وكانت فيها مدرسة عظيمة يدرس فيها الطب وساير العلوم المختلفة وكان القائم بتدريسها نصاري النسطور (النسطوريون) الذين حملوا إليها مؤلفات اليونان الطبية والفلسفية وترجموا الكتب إلي السريانية التي كانت لغة التدريس في تلك المدرسة، وقد إشتهرت هذه ـ.

[5] مجموعة محاظرات ألقاها الإمام«ع» علي تلميذه المفضل في إثبات التوحيد وقد شرحناها في أربعة أجزاء.